الاعتراف بفلسطين- من وعد بلفور إلى نصر دبلوماسي متزايد
المؤلف: هيلة المشوح08.21.2025

منذ ما يربو على المئة عام، وتحديداً في الثاني من شهر نوفمبر لعام 1917، طرأ تحول جذري على مسار التاريخ الفلسطيني، وذلك بصدور «وعد بلفور» المشؤوم، الذي بموجبه منحت بريطانيا، على لسان وزير خارجيتها آنذاك آرثر بلفور، تعهداً صريحاً بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين الطاهرة. هذا الوعد المجحف لم يكترث إطلاقاً للحقوق السياسية الثابتة للسكان الأصليين، بل اكتفى بالإشارة العابرة إلى «عدم المساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية»، في تغافل واضح وتجاهل صارخ لوجود الشعب الفلسطيني العريق.
ذلك الوعد الآثم، الذي وصفه المؤرخ البريطاني البارز آفي شلايم بأنه «الولادة الاستعمارية للاحتلال الغاشم»، كان بمثابة الشرارة التي أوقدت فتيل سلسلة لا تنتهي من عمليات التهجير القسري والاستيطان المتواصل والصراع المرير الذي لا يزال مستعراً ومشتعلاً حتى يومنا هذا. فمع نهاية حقبة الانتداب البريطاني البغيض وقرار التقسيم الجائر عام 1947، رفض الفلسطينيون الأباة رفضاً قاطعاً تقسيم بلادهم المقدسة، لتنطلق بعدها فصول النكبة المؤلمة عام 1948 بتهجير قسري لأكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم وأراضيهم، والإعلان المشؤوم عن قيام دولة إسرائيل المزعومة.
وعلى الرغم من مرور عقود مديدة على وقوع النكبة الأليمة، ظل الحضور الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة مقتصراً على إطار «منظمة التحرير الفلسطينية»، إلى أن تم الإعلان رسمياً في الخامس عشر من شهر ديسمبر لعام 1988 عن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين المستقلة، وذلك من خلال القرار رقم 43/177، ثم مُنحت فلسطين صفة «دولة مراقب غير عضو» في شهر نوفمبر من عام 2012، وذلك بتأييد ساحق من 138 دولة حول العالم. ومع تفاقم العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة المحاصر إثر الأحداث المؤسفة التي وقعت في السابع من شهر أكتوبر لعام 2023، سارعت دول عديدة إلى إعادة فتح ملف الاعتراف بدولة فلسطين. ففي شهر مايو من عام 2024، أعلنت كل من إسبانيا، وآيسلندا، والنرويج، وإيرلندا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة تاريخية وُصفت بأنها «لحظة فارقة»، وأدت إلى توترات دبلوماسية حادة مع تل أبيب التي بادرت على الفور إلى سحب سفرائها من تلك الدول، وندّدت بشدة بما وصفته بـ«الخضوع للإرهاب». واليوم، ومع تنامي التأييد الدولي المتزايد لحق الفلسطينيين المشروع في إقامة دولتهم المستقلة، اعترفت حتى الآن أكثر من 147 دولة حول العالم بدولة فلسطين، من بينها 11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي. أما بريطانيا، الدولة التي تسببت في كل هذا البلاء، فقد باتت على أعتاب الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، حيث أعلن رئيس وزرائها كير ستارمر عن عزمه القيام بذلك في شهر سبتمبر المقبل، شريطة تحقيق وقف إطلاق النار وتقدّم فعلي وملموس في مسار الحل السياسي العادل. وهذا التحوّل الجذري في الموقف البريطاني، الذي تبنى في الأصل فكرة إقامة دولة إسرائيل من العدم، ليس مجرد انتصار دبلوماسي للفلسطينيين، بل يعكس تغييراً حقيقياً في بوصلة بريطانيا، نتيجة الوعي العالمي المتزايد، الذي بات يدرك تمام الإدراك أن ما جرى منذ وعد بلفور المشؤوم كان ظلماً تاريخياً فادحاً، وأن إنصاف فلسطين لم يعد خياراً سياسياً قابلاً للتأجيل، بل هو التزام أخلاقي وإنساني لا يمكن التهرب منه. هكذا تتغيّر مجريات الأمور وتتبدل الأحوال تبعاً لمجريات التاريخ وظروف المرحلة الراهنة، التي تعالت فيها أصوات الحق وارتفعت، وتبلورت عبرها بوضوح الصورة اللاإنسانية لبداية الاحتلال الغاشم ومآلاته الكارثية.
إن الاعتراف الدولي المتنامي بدولة فلسطين لا يكفي وحده لوقف الانتهاكات المستمرة والجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، ولكنه يمثل خطوة ضرورية وهامة نحو إعادة الاعتبار للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وإعادة التوازن وتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة. فما بين وعد بلفور المشؤوم واعتراف العالم الجديد بدولة فلسطين، تقف فلسطين شامخة وشاهدة على قرن كامل من الظلم والمعاناة وغياب الحق... ولكنها أيضاً تقف اليوم على أعتاب نصر دبلوماسي طال انتظاره.
وفي خضم هذا التحول الدولي المتسارع، برزت المملكة العربية السعودية كلاعب دبلوماسي أساسي ومحوري في دعم الحق الفلسطيني، وذلك من خلال جهود دبلوماسية حثيثة ورحلات مكوكية قام بها وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في كل المحافل الإقليمية والدولية، مؤكداً على موقف المملكة الثابت والراسخ بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقد ساهمت الجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة العربية السعودية في توحيد الموقف العربي وتعزيز التأييد الدولي للقضية الفلسطينية العادلة، خصوصاً من خلال قمة جدة التي انعقدت في عام 2023، ومباحثاتها الثنائية مع الاتحاد الأوروبي ودول العالم المختلفة، وتعاونها المثمر مع فرنسا لتوحيد الموقف تجاه القضية الفلسطينية. فالمملكة العربية السعودية ترى أن الاعتراف الكامل بدولة فلسطين هو المدخل الحقيقي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة بأسرها.
ذلك الوعد الآثم، الذي وصفه المؤرخ البريطاني البارز آفي شلايم بأنه «الولادة الاستعمارية للاحتلال الغاشم»، كان بمثابة الشرارة التي أوقدت فتيل سلسلة لا تنتهي من عمليات التهجير القسري والاستيطان المتواصل والصراع المرير الذي لا يزال مستعراً ومشتعلاً حتى يومنا هذا. فمع نهاية حقبة الانتداب البريطاني البغيض وقرار التقسيم الجائر عام 1947، رفض الفلسطينيون الأباة رفضاً قاطعاً تقسيم بلادهم المقدسة، لتنطلق بعدها فصول النكبة المؤلمة عام 1948 بتهجير قسري لأكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم وأراضيهم، والإعلان المشؤوم عن قيام دولة إسرائيل المزعومة.
وعلى الرغم من مرور عقود مديدة على وقوع النكبة الأليمة، ظل الحضور الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة مقتصراً على إطار «منظمة التحرير الفلسطينية»، إلى أن تم الإعلان رسمياً في الخامس عشر من شهر ديسمبر لعام 1988 عن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين المستقلة، وذلك من خلال القرار رقم 43/177، ثم مُنحت فلسطين صفة «دولة مراقب غير عضو» في شهر نوفمبر من عام 2012، وذلك بتأييد ساحق من 138 دولة حول العالم. ومع تفاقم العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة المحاصر إثر الأحداث المؤسفة التي وقعت في السابع من شهر أكتوبر لعام 2023، سارعت دول عديدة إلى إعادة فتح ملف الاعتراف بدولة فلسطين. ففي شهر مايو من عام 2024، أعلنت كل من إسبانيا، وآيسلندا، والنرويج، وإيرلندا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة تاريخية وُصفت بأنها «لحظة فارقة»، وأدت إلى توترات دبلوماسية حادة مع تل أبيب التي بادرت على الفور إلى سحب سفرائها من تلك الدول، وندّدت بشدة بما وصفته بـ«الخضوع للإرهاب». واليوم، ومع تنامي التأييد الدولي المتزايد لحق الفلسطينيين المشروع في إقامة دولتهم المستقلة، اعترفت حتى الآن أكثر من 147 دولة حول العالم بدولة فلسطين، من بينها 11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي. أما بريطانيا، الدولة التي تسببت في كل هذا البلاء، فقد باتت على أعتاب الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، حيث أعلن رئيس وزرائها كير ستارمر عن عزمه القيام بذلك في شهر سبتمبر المقبل، شريطة تحقيق وقف إطلاق النار وتقدّم فعلي وملموس في مسار الحل السياسي العادل. وهذا التحوّل الجذري في الموقف البريطاني، الذي تبنى في الأصل فكرة إقامة دولة إسرائيل من العدم، ليس مجرد انتصار دبلوماسي للفلسطينيين، بل يعكس تغييراً حقيقياً في بوصلة بريطانيا، نتيجة الوعي العالمي المتزايد، الذي بات يدرك تمام الإدراك أن ما جرى منذ وعد بلفور المشؤوم كان ظلماً تاريخياً فادحاً، وأن إنصاف فلسطين لم يعد خياراً سياسياً قابلاً للتأجيل، بل هو التزام أخلاقي وإنساني لا يمكن التهرب منه. هكذا تتغيّر مجريات الأمور وتتبدل الأحوال تبعاً لمجريات التاريخ وظروف المرحلة الراهنة، التي تعالت فيها أصوات الحق وارتفعت، وتبلورت عبرها بوضوح الصورة اللاإنسانية لبداية الاحتلال الغاشم ومآلاته الكارثية.
إن الاعتراف الدولي المتنامي بدولة فلسطين لا يكفي وحده لوقف الانتهاكات المستمرة والجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، ولكنه يمثل خطوة ضرورية وهامة نحو إعادة الاعتبار للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وإعادة التوازن وتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة. فما بين وعد بلفور المشؤوم واعتراف العالم الجديد بدولة فلسطين، تقف فلسطين شامخة وشاهدة على قرن كامل من الظلم والمعاناة وغياب الحق... ولكنها أيضاً تقف اليوم على أعتاب نصر دبلوماسي طال انتظاره.
وفي خضم هذا التحول الدولي المتسارع، برزت المملكة العربية السعودية كلاعب دبلوماسي أساسي ومحوري في دعم الحق الفلسطيني، وذلك من خلال جهود دبلوماسية حثيثة ورحلات مكوكية قام بها وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في كل المحافل الإقليمية والدولية، مؤكداً على موقف المملكة الثابت والراسخ بضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقد ساهمت الجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة العربية السعودية في توحيد الموقف العربي وتعزيز التأييد الدولي للقضية الفلسطينية العادلة، خصوصاً من خلال قمة جدة التي انعقدت في عام 2023، ومباحثاتها الثنائية مع الاتحاد الأوروبي ودول العالم المختلفة، وتعاونها المثمر مع فرنسا لتوحيد الموقف تجاه القضية الفلسطينية. فالمملكة العربية السعودية ترى أن الاعتراف الكامل بدولة فلسطين هو المدخل الحقيقي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل والدائم والشامل في المنطقة بأسرها.